بقلم عبد المالك حداد
تعالت مؤخرا أصوات في عدة دول عربية (الجزائر- المغرب - مصر- السودان - الأردن... الخ)، تنبه إلى انتشار ظاهرة التشيع وتحذر من توسعها. وذكرت عدة صحف ومجلات عربية اهتمت بالموضوع أن الجزائر من بين البلدان التي يشهد فيها "المذهب الشيعي انتشارا بشكل سري في قطاعات واسعة من المجتمع الجزائري (السني بأغلبه)، خاصة خلال السنوات الأخيرة
ومع ذلك فإن هذه المسألة مازالت غير مطروحة رسميا، إذ لم يصدر أي موقف يشير إلى ذلك وينبه إلى هذا الأمر باستثناء بعض الكتابات المحدودة في وسائل الإعلام - الصحف – إلى جانب تسليط بعض المواقع الإعلامية على شبكة الانترنيت الضوء على هذا الموضوع.. لكن لمحدودية زوارها في الداخل (كون مجال الانترنيت مقتصر على فئات محدودة في المجتمع الجزائري الذي لا تتوفر فيه شبكة الانترنيت إلا على نسبة 2,4 % من السكان المتصلين في وقت لا يتجاوز الذين يستعملون هذه التقنية 800 ألف من السكان، بمعدل 500 ألف مستعمل بصفة منتظمة) لم يُمكن أغلبية المجتمع من الاطلاع عليها، على عكس الصحف المكتوبة التي تعرف انتشارا كبيرا إلا أنها تتحاشى الخوض في الموضوع وهناك عدة تفسيرات لهذا الأمر : فثمة من يقول إن حرية المعتقد أمر يكفله دستور البلاد وإن الدولة لا تتدخل في معتقدات الناس والمذاهب التي يعتنقونها وهناك من يرجع الأمر إلى "طبيعة الجزائريين" المتسامحة وقدرتهم على التعايش مع بعضهم البعض، بقطع النظر عن المعتقدات والمذاهب, فيما يرى البعض الآخر أن هذا "الصمت الرسمي" على انتشار التشيع في الجزائر مرده العلاقات التي تحسنت بين الجزائر وإيران. وهي علاقات توطدت خلال السنوات الأخيرة
عدد شيعة الجزائر وانتشارهم
لا تتوفر أرقام رسمية حول عدد الشيعة في الجزائر، وبحسب مراقبين لا يزال الحضور الشيعي محتشما في الجزائر مقارنتا بذلك الحضور المسجل في بعض البلدان المغاربية كالمغرب الذي يبدو واضحا من خلال وجود ثلاث جمعيات شيعية ثقافية معترف بها على الأقل وهي "الغدير" و"البصائر" و"التواصل
ولا يملك المشرف على شبكة "شيعة الجزائر"، أي إحصائيات أو أرقام على مدى انتشار التشيع بين الجزائريين : "ليس هناك إحصائيات حديثة وحتى إن كانت هناك إحصائيات تبقى سرا ولا تسلم لأيا كان لأسباب يطول شرحها". غير أن بعض المراقبين يقدرون عدد الشيعة في الجزائر بالمئات، وهم منتشرين في أغلب مدن البلاد، كان عددهم لا يتجاوز العشرات في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات، يمارسون شعائرهم وطقوسهم بحرية كإحياء الحسينيات وقيام المآتم مع بداية كل محرم إلى العاشر منه، دون أن يتعرضوا إلى أي نوع من المضايقات
ويرى الدكتور محمد بن بريكة، المنسق الأعلى للطريقة القادرية في الجزائر وعموم إفريقيا، في محاضرته "حصاد الثقافية" عن "نشأة الشيعة والتشيّع"'، أن غياب المرجعية الدينية وضعف المناعة الثقافية في الجزائر سيسهل اجتياح المد الشيعي وتناميه في الجزائر السنية لأن الشيعة في الجزائر موجودون وهم حوالي 300
ويرى شيعة الجزائر أن مذهب "آل البيت" ليس غريبا عن البلاد وأن جذوره تعود إلى "آلاف السنين". بدليل أن الأمازيغ (البربر سكان الجزائر الأوائل) بالأصل كانوا شيعة، فبالنسبة لهم كان للبربر في الجزائر "ولاء عظيم لأهل البيت ولهم فيها ثورات، وبالخصوص في زمن استشهاد الإمام الحسين، وكانوا من الأوائل الذين فتحوا بيوتهم وصدورهم للفاطميين وحاربوا معهم جنبا لجنب.."
ومع قيام الدولة الفاطمية (910 – 973 م)، انتشر التشيع بالطريقة الفاطمية التي كانت إسماعيلية باطنية في الجزائر وسائر مناطق المغرب العربي. إلا أن الشيعة انقرضت بعد عهد الفاطميين ولم يعد لها أثر، ولم يأتي ذكرها إلا أن ظهر التشيع الحديث مع ظهور الخميني بعد انتصار "الثورة الإسلامية في إيران" بالطريقة المنشرة بإيران لمذهب الإمامية لأثنى عشرية الجعفرية نهاية السبعينيات
علاقتهم بالشأن الوطني
لا يعرف للشيعة في الجزائر أي نشاط علني يمكن من خلاله تتبع مواقفهم وآرائهم في الشأن الوطني، وهو ما يجعل البحث في هذه المسألة تعترضه عدة عراقيل، كون لا يوجد لهم أية صحيفة ناطقة باسمهم، كما لا يوجد أي مسجد أو حسينية، ولكن ظهر لهم حديثا عدة مواقع إلكتروني في الشبكة العالمية جعلوا منها منبرا لهم، للحديث عن تواجدهم والتعبير عن آرائهم دون التدخل في شؤون الدولة بحكم أن لديهم – حسب زعمهم - مهمة أسمى من ذلك بكثير، ألا وهي تقديم النصيحة وكشف الحقيقة
هذا وبين القرار الأخير لوزير التربية الوطنية أبو بكر بن بوزيد، توقيف 11 مدرّسا شيعيا من المدارس التعليمية التي كانوا يشتغلون فيها، مدى اختراق الشيعة المدارس الجزائرية، وتفسيرا لمدى تدمر المدعو العامري من المنظومة التي تشرف عليها الوزارة.إلا أن الذي تنساه العامري أن الوزارة قامت بتحويل المبعدين إلى "أجهزة أو مناصب إدارية"، وكان الهدف من إبعادهم تأمين وحماية الوسط المدرسي وتجنب التأثير الشيعي المباشر على التلاميذ بالمؤسسات التربوية، وكذلك إبعاد المدرسة الجزائرية عن الولاءات والصراعات، سواء بين الأحزاب السياسية أو بين المذاهب الدينية
وجاء قرار وزارة التربية الوطنية، بعد أن ناشد مجموعة من الأولياء بمدينة الشريعة (ولاية تبسة) الجهات المعنية للتحرك بقوة لوضع حد من خطر المد الشيعي ببعض المؤسسات التربوية، أين يعمد بعض الأساتذة كما جاء في رسالة موقعة من قبل بعض الأولياء، لتمرير معتقدات وتوجهات شيعية والمعتمدة أساسا على تقديس آل البيت والطعن في بعض الصحابة وشتم بعضهم
كيف تشيعوا ؟
تكشف كتابات بعض الشيعة في الجزائر على شبكة الانترنيت، الظروف التي انتقلوا فيها من المذهب السني (المالكي) إلى المذهب الشيعي الجعفري. ويظهر جليا أن تحول الجزائريين إلى المذهب الشيعي ناتج عن علاقاتهم بأقربائهم وأصدقائهم، أو باحتكاكهم بالشيعة المقيمين بالبلاد أو بالسفر، كما أن للمراجع والكتب الشيعة أثر في قبولهم فكرة التشيع نتيجة الخواء الروحي وفقر الخطاب الذي أتبع العشرية الدموية، نهيك على انتشار الفضائيات الشيعية.. كما أن عديد الشباب تأثروا بنضال "حزب الله" اللبناني مما جعلوهم يغيرون المذهب بقصد الانخراط في صفوفه أو المشاركة في نضاله المسلح ضد الكيان الصهيوني ومن أسباب التشيع أيضا عند بعض الجزائريين كما يذكر الباحث فريد مسعودي، هو زواج المتعة حيث اكتشف من خلال جلسته مع الشباب الشيعي الجزائري أنه "مدمن" على زواج المتعة
واللافت للانتباه أن أغلب هؤلاء بعد "استبصارهم" واعتناقهم مذهب آل البيت أصبحوا ينظرون نظرة "دونية" للمذهب السني لا تخلو من السخرية " وعدم "الاحترام
بعض الأصوات التي ارتفعت في عدد من البلدان العربية تحذر من التوسع الشيعي، لم تخف أن وراء هذه الظاهرة يقف "مخطط الإيراني للنفوذ والهيمنة" وأنها تعكس "تسلل وخطورة المشروع الإيراني في المنطقة".لكن أيضا هناك من قلل من أهمية الدور الإيراني معتبرا أن "هذه الانتقادات، مبالغ فيها وأن العالم الإسلامي يحتاج إلى التفاهم والتجانس، وأن آخر ما يحتاجه هو هذه الاتهامات المتبادلة
وفي الجزائر يرفض الشيخ عبد الرحمان شيبان، رئيس جمعية علماء المسلمين في الجزائر، والذي يعتبر واحدا من أبرز الشخصيات الإسلامية المنافحة عن "عروبة وإسلام الجزائر" في تصريحات خاصة لـ "قدس برس": "أن تكون هنالك حملة تشيع واضحة للعيان في الجزائر، وقال: "في الجزائر توجد تيارات ومدارس فكرية مختلفة، سلفيون وعلمانيون وتنصيريون وغيرهم لكن الغالبة سنية مالكية
ويقدمون في هذا الصدد عدة دلائل منها العثور على كتب شيعية لدى بعض الطلبة في الثانويات والجامعات، بالإضافة إلى وجود عدد من الجزائريين الذين يدرسون بالحوزات العلمية في قم (إيران) وسورية ومنهم من رجع خلال المدة الأخيرة إلى الجزائر
بل الأمر تجاوز هذه المرحلة، فقد كشف عبد الرحمن سعيدي، البرلماني عن «حركة مجتمع السلم» ونائب رئيسها، لـ«الشرق الأوسط» عن وجود تنظيم حديث النشأة يدعى حزب الله المغاربي يقوده شيعي مغربي مقيم في ألمانيا. وقال إن "جماعة فكرية خارج الجزائر، تتحرك لإرساء قواعد حزب مغاربي بمنطقة المغرب العربي"، مشيراً إلى "شخص يقيم بشرق الجزائر متزوج من لبنانية، وله نفوذ في الأوساط الشيعية خارج الجزائر ويدعي أنه من كبار الشيعة في المنطقة المغاربية". وأضاف أن لديه معلومات مؤكدة تفيد بأنه "يتم التحضير في بلاد غربية وفي بلاد الشام لمشروع حزب الله المغاربي
للعلم الحكومة الجزائرية أقدمت في مارس 1993، على قطع علاقاتها الديبلوماسية مع إيران على خلفية "دعم إيران السياسي والإعلامي للجبهة الإسلامية للإنقاذ"، واتهام طهران بالتدخل في الشؤون الداخلية الجزائرية. كما تراجعت الجزائر عن رعاية المصالح الإيرانية في أميركا. وقد أعيدت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين رسميا في سبتمبر 2000. وتم تبادل السفراء في أكتوبر2001. زار الرئيس بوتفليقة إيران في أكتوبر 2003 كما زار الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي الجزائر في أكتوبر2004 وكان بذلك أول رئيس إيراني يزور الجزائر منذ الثورة سنة 1979. وقد أعلنت إيران عن دعمها سياسة بوتفليقة الساعية إلى المصالحة الوطنية.
ملاحظات لابد منها
إن الحديث عن الشيعة في الجزائر لا يجب أن يدفع إلى الاعتقاد أنهم يشكلون "طائفة" بما يفتح الأبواب أمام الحديث عن "الطائفية" في الجزائر. هذه المسألة غير مطروحة بالمرة في الجزائر التي عرفت بوحدة أبنائها ونبذهم لكافة مظاهر التفرقة على أساس عرقي أو ديني أو مذهبي أو قبلي أو جهوي. هذا وللعلم أنه إذا ثبت أنه يوجد عدد كبير من الشيعة في الجزائر، فمثلهم مثل أقليات أخرى منها كالجالية المسيحية كلها تمارس طقوسها وشعائرها بحرية دون أن يشكلوا أي تهديد للنسيج الاجتماعي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق