لقد نجح بعض الفتيان في قلب شجرة التعاليم الإسلامية فجعلوا الفروع الخفيفة جذوعها أو جذورا، وجعلوا الأصول المهمة أوراقا تتساقط مع الرياح!. وشرف الإسلام أنه يبني النفس على قاعدة «قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها» وأنه يربط الاستخلاف في الأرض بمبدأ «الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ****وأنا أتوجه إلى أمراء الجماعات الدينية الأكارم، والى الأوصياء الكبار على تراث السلف أن يراجعوا أنفسهم كي يهتموا بأمرين: أولهما: زيادة التدبر لآيات القرآن الكريم. وآخرهما: توثيق الروابط بين الأحاديث الشريفة ودلالات القرآن القريبة والبعيدة، فلن تقوم دراسة إسلامية مكتملة ومجدية إلا بالأمرين معا..

بصوت 17 قارئ

الخميس، 29 نوفمبر 2007

الأمين العام لمنظمة المجاهدين السعيد عبادو لـ''الخبر''''لن نطوي صفحة جرائم فرنسا إلا بعد الاعتذار''


أكد الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين، السعيد عبادو، وقوفه إلى جانب وزير المجاهدين، محمد الشريف عباس، في مواجهة الهجمة الإعلامية الفرنسية .وأوضح عبادو في اتصال هاتفي معه، قائلا: ''نحن كمنظمة وطنية للمجاهدين نقول بأننا لا نرحب بساركوزي في الجزائر، لأنه بالنسبة إلينا يأتي في زيارة دبلوماسية وأهدافها واضحة''. وأضاف أن ''الرئيس بوتفليقة يعلم جيدا مواقفنا إزاء الدولة والحكومة الفرنسية وبأننا لسنا ضد المجتمع المدني الفرنسي''. وقال عبادو: ''يتهموننا بمعاداة فرنسا أو رئيس فرنسا، لكنهم نسوا بأنهم هم الذين يحتفظون لنا بحقد دفين وإنهم هم الذين سنـّوا قانونا يمجد الاستعمار ومساوئه وأقاموا التماثيل للخائنين والحركى، ولا يريدون الاعتراف بجرائمهم في حق شعبنا''.وبعد أن أكد على أن ''المجتمع المدني الفرنسي بريء، وإنما نتوجه بالكلام إلى الحكومة والدولة الفرنسية وبرلمانها''، هاجم عبادو الذي تولى منصب وزير للمجاهدين سابقا، الأقدام السوداء (الفرنسيين الذين ولدوا في الجزائر خلال فترة الاحتلال) والحركى، وقال إنهم هم الذين يحقدون على الشعب الجزائري ويعملون كل ما بوسعهم لإذلالنا ويضغطون على صانعي القرار الفرنسي لعدم الاعتراف والاعتذار عن المجازر التي ارتكبوها بحقنا... إنهم هم الحاقدون وليس نحن''.وشدد عبادو على وحدة الموقف الجزائري تجاه هذا ''الحقد الفرنسي''، وألا تتوقف الدولة الجزائرية عن المطالبة بالاعتذار والتعويض، عملا بالقانون الدولي وحقوق الإنسان التي يتغنون بها في باريس. وبرر عبادو تفاؤله بحصول الاعتذار يوما ما، بالقول ''نحن أصحاب مبادئ وثوابت وندافع عن حقنا بعقلانية وحكمة، والأمر الذي يهمنا هو تحقيق مصالحة بين بلادنا وفرنسا دون أدنى تنازل عن ذاكرة الشهداء وبيان ثورة أول نوفمبر''.وسألت ''الخبر'' عبادو: ألا يتناقض هذا الكلام مع ما تقوم به الحكومة؟ فأجاب: ''لا يوجد تناقض، نحن نثق في حنكة بوتفليقة وخبرته الدبلوماسية، لأننا لا نعادي الشعب الفرنسي. إذا أرادوا طي صفحة الماضي فنحن مستعدون لكن ليس على حساب دم الشهداء ودموع الأرامل والأطفال وكل جزائري عاش ويلات البطش والاستعمار الفرنسي لأرضنا''. وردا على سؤال حول رفض ساركوزي الاعتذار بحجة أنه كان صغيرا ولا يسأل عما حصل في الماضي، أجاب عبادو ساخرا، وهل عاش الحرب العالمية الثانية، إنه يمثل دولة، وموقفه هذا يضعه في قفص الاتهام لأن عدم الاعتذار يعني أن الدولة الفرنسية ترفض ذلك، لأن المنصب مسؤولية

الدكتور القورصو يتحدث لـ''الخبر'' عن الزيارة المرتقبة لرئيس فرنسا''حذار من قـُبلة ساركوزي المسمومة''

طافت ''الخبر'' مع الدكتور محمد القورصو، المتخصص في العلاقات الجزائرية الفرنسية، بجوانب عديدة متعلقة بزيارة الرئيس الفرنسي
المنتظرة للجزائر، حيث تحدث في حوار معه عن الفخر الذي يبديه نيكولا ساركوزي لأصوله اليهودية، ويستغرب حساسية الإعلام الفرنسي تجاه الرسميين الجزائريين عندما يتناولون هذا الجانب. ويستعرض القورصو أيضا رأيه في التساهل الذي بدا جليا لدى المسؤولين في مسألة الاعتذار عن جرائم الفترة الاستعمارية. كيف تقرأون السياق الذي تأتي فيه زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي المرتقبة مطلع الشهر المقبل؟ هناك سياقان: الأول عام بحيث يخول لأي رئيس أن يستضيف رئيسا آخر في إطار العلاقات الثنائية والدولية. أما السياق الثاني فهو خاص، وزيارة السيد ساركوزي من هذا القبيل. صحيح أن فرنسا هي شريكنا الطبيعي والتاريخي، لكن الصحيح أيضا أن فرنسا نهجت نهجا آخر بعد استقلال الجزائر، بحيث أدارت ظهرها للواقع التاريخي وبدل أن تتعامل معنا بالندية، احتفظت إزاءنا بنظرة أخرى وكأن الجزائر ملحقة فرنسية.وعودة لزيارة ساركوزي، أقول أنه من الواضح أن الأمر يتعلق بجلب الاستثمارات. لكن هذا المعطى يصطدم بواقع آخر، فالعلاقات التاريخية بين البلدين والخطاب السياسي الحالي لايزال يبين أن المقاربة الاستعمارية كمنهج تظل قائمة في فرنسا، يكفي أن نستدل بالقانون الممجد للاستعمار الذي اقترحه حزب ساركوزي، فضلا عن التمجيد شبه اليومي للاستعمار في فرنسا من خلال المتاحف والنصب التذكارية والترويج لليمين الفاشي من طرف بقايا منظمة الجيش السري، وآخرها كان وضع نصب تذكاري للفرنسيين المفقودين في الجزائر.. كل هذا يجعلنا نقول إننا في غنى عن هذه الزيارة لأن هناك دولا أخرى يمكن أن نتعامل معها ونطور معها علاقاتنا مثل الصين وألمانيا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا، فالجزائر ليست في حصار حتى تركض وراء المستثمرين الفرنسيين. ثم أين كان ساركوزي عندما كانت فرنسا معبرا للأسلحة التي قتلت آلاف الجزائريين خلال العشرية السوداء؟ كانت دولته حينها تراهن على سقوط الدولة الجزائرية والآن نكتشف فجأة أن للجزائر مكانة في المتوسط والمغرب العربي وفي العالم.شنت الصحافة الفرنسية على وزير المجاهدين شريف عباس، حملة شديدة بسبب تصريحات لـ''الخبر'' تناولت أصول ساركوزي اليهودية، لماذا برأيكم قوبل كلامه بهذه الحساسية المفرطة؟ لأنهم غيورون على تاريخهم وسيادتهم وعلى أصول رئيسهم، وكل ما يمس أي مسؤول يمس بالضرورة الدولة. أما وزير المجاهدين السيد شريف عباس، فلم يذكر سوى الحقيقة التي تؤكدها الأحداث السياسية والوقائع التاريخية، فهل يتنكر ساركوزي لأصله؟ هل تراجع عن مساندته غير المحدودة للدولة الصهيونية؟ أبدا لم يفعل ذلك، بل إنه راح يشتم العرب والمسلمين وتهجم عليهم، وبدل أن تقوم القيامة في الجزائر والدول العربية، حدث العكس، حيث أقامتها صحف فرنسية علينا، لأن وزيرا من وزراء الجزائر أدلى بشهادة بعض معطياتها واردة في السيرة الذاتية لساركوزي. إذا كان ساركوزي يبدي من التعنت والعنصرية تجاه باقي الفرنسيين، لأنه نفسيا يشعر بأنه ليس فرنسيا لذا نراه يحاول أن يظهر للفرنسيين أنه فرنسي أكثر منهم.يطرح الرئيس الفرنسي مقاربة براغماتية لعلاقة بلده بالجزائر، أليس من مصلحة الجزائريين الانتفاع من الشق الاقتصادي في سياسته بدل التشبث بمسائل تعود إلى الماضي؟ صحيح أن ساركوزي يتصف بكثير من البراغماتية وأسقط كثيرا من الطابوهات، لكنه ليس كغيره من رؤساء الدول بالنسبة إلينا، فهو يمثل الدولة الفرنسية ويشخص الجرائم التي اقترفتها والتي تتبجح بها لحد اليوم. فهل نضحي بمبادئنا وتاريخنا ودماء شهدائنا من أجل صفقات اقتصادية مهما كان حجمها؟ لنتذكر فقط أن الجنرال دوغول جاء بمشروع شبيه بما يقترحه ساركوزي اليوم، هو مشروع قسنطينة (1958) حاول من خلاله جر الثورة نحو مسار غير مسارها، فتمت محاربته من طرف جبهة التحرير الوطني، ومن استفاد من المشروع من الجزائريين عاقبه الأفالان. يوجد انطباع عام بأن المسؤولين الجزائريين متساهلون في مسألة المغالبة في طلب الاعتذار عن جرائم الاستعمار، بعدما كانت أعلى السلطات متمسكة به.. أعتقد أن ذلك يتجلى في الخطاب السياسي المبهم، فمن جهة نسمع وزراء يقولون إن مبدأ الاعتذار لم يعد أساسيا، وهناك وزير أعلن في عاصمة إفريقية أن الجزائر لن تتنازل عن هذه المبدأ. فهل يعود ذلك إلى انقسام في الصف، أم هي البراغماتية التي تجعلهم يفرطون في المبادئ؟ ويحيلني هذا الموضوع بالذات إلى عام 1958، فجبهة التحرير لم تقبل الدخول في مفاوضات مباشرة مع فرنسا حول الاستقلال بسبب عدم تحقيق شروطها، لكن بعدها بأربع سنوات أرغم الفرنسيون على التفاوض وفق مبدأ الاعتراف بالخصم كمحاور، وكان اتفاق وقف إطلاق النار في 19 مارس .1962هناك من يعتبر تسليم خرائط الألغام تعبيرا عن حسن نية تجاه الجزائر، من جانب الحاكم الجديد في فرنسا.. إذا كانت فعلا تعبيرا عن حسن نية، لماذا ترفض فرنسا لحد اليوم تسليمنا أرشيف الحرب؟ لماذا تعتذر فرنسا والكنيسة لليهود الذين تعرضوا للإبادة من طرف ألمانيا النازية بتواطؤ من حكومة فيشي ولا تفعل نفس الشيء تجاه الشعب الذي أبادت أبناءه؟ إن الكيل بمكيالين في هذا الأمر والخطاب المزدوج الذي يجرّم تركيا ويغض الطرف عن مذابح أخرى أفظع، يجعلنا نتساءل إن كانت فرنسا ساركوزي صادقة في نواياها أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مراوغة سياسية للحصول على مبتغاها من الجزائر؟ إن قُبلة من فم ساركوزي هي قُبلة مسمومة وينبغي أن نكون يقظين إزاءها.

الصحافة الفرنسية تصف وزير المجاهدين الجزائري بالعنصري


''لوفيغارو'' أعادت نشر حوار الشريف عباس لـ''الخبر''

أثار الحوار الذي أدلى به وزير المجاهدين محمد شريف عباس لـ''الخبر'' زوبعة إعلامية في فرنسا، قبل موعد الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للجزائر. قامت جريدة ''الفيغارو'' بإعادة ترجمة الحوار مبرزة في عنوانها أن الوزير الجزائري تهجم على الرئيس الفرنسي متهما إياه بالوصول إلى السلطة بفضل المساندة القوية التي لقاها هذا الأخير من طرف ''اللوبي'' اليهودي الذي يتحكم في قطاع الصناعة بفرنسا. من جهتها اعتبرت مختلف وسائل الإعلام الفرنسية الصادرة أمس أن تصريحا من هذا النوع يعد تهجما عرقيا تجاه اليهود في فرنسا وفي العالم كله. وكانت جريدة ''الفيغارو'' المعروفة بولائها لليمين الفرنسي قد نشرت أن الوزير الجزائري تحدث عن مساندة كبيرة لقيها الرئيس الفرنسي من إسرائيل، وأحسن دليل هو الطابع البريدي الذي طبعته السلطات الإسرائيلية على شرف نيكولا ساركوزي والذي حمل صورة الرئيس الفرنسي الحالي في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية بفرنسا. وجاء في الحوار الذي نشرته ذات الصحيفة أن وزير المجاهدين الجزائري ذكر في حديثه لـ''الخبر'' أن أصول نيكولا ساركوزي يهودية وذلك ما يفسر كل تلك المساندة التي دفعت به إلى هرم السلطة.وقد تفاجأت مختلف وسائل الإعلام الفرنسية عن خلفية هذه التصريحات واعتبرت أنها لا تخدم أصلا العلاقات الجزائرية الفرنسية والتي تبقى، حسبهم، متوسطة، خاصة وأن الزيارة التي سيقوم بها ساركوزي للجزائر ابتداء من الثالث ديسمبر القادم تبقى جد مهمة لتحسين العلاقات الثنائية بين البلدين. كما تساءلت مختلف وسائل الإعلام الفرنسية التي اتخذت من هذا الحوار حجة لمحاولة خلق أزمة دبلوماسية وهمية بين البلدين، عن سبب غياب ردود فعل فرنسية منددة بهذه التصريحات التي تبقى، حسبهم، عنصرية وغير مقبولة تماما من وزير دولة ''صديقة''.وفي نفس الصدد تحدثت الصحف الفرنسية عن الحساسية الكبيرة التي ميزت الزيارة المرتقبة للمطرب أنريكو ماسياس للجزائر رفقة الوفد الرئاسي الفرنسي، حيث تحدثت عن رفض عدد من المسؤولين الجزائريين لهذه الزيارة، موضحة أن الوزير الجزائري للمجاهدين وصف قرار ساركوزي بضم ماسياس للوفد الرئاسي بـ''الاستفزازي''.وحسب إحدى الصحف الفرنسية، فإن المطرب أنريكو ماسياس تراجع عن قرار زيارة الجزائر لكونه أراد، على حد تعبيره، تجنب أية مشاكل دبلوماسية بين الطرفين. هذه الزوبعة الإعلامية التي أثارتها جريدة ''الفيغارو'' فتحت الباب واسعا أمام عدد من المختصين الفرنسيين للتعليق حول العلاقات الفرنسية الجزائرية التي تبقى، حسبهم، جد متوترة بسبب التاريخ الاستعماري المشترك بين البلدين خاصة بعد القانون الذي أراد نيكولا ساركوزي سنه والممجد للاستعمار. كما تحدثت الصحف الفرنسية عن الخلافات الفرنسية الجزائرية بسبب إجراءات التأشيرة التي تفرضها باريس على الجزائريين الذين يريدون التنقل إلى فرنسا


الخميس، 15 نوفمبر 2007

الأستاذ مالك‮ ‬بن‮ ‬نبي‮ ‬والثورة


مالك‮ ‬بن‮ ‬نبي‮ ‬والثورة
تاريخ المقال 14/11/2007
بقلم: محمد‮ ‬الهادي‮ ‬الحسني

مرت الذكرى الرابعة والثلاثون لوفاة الأستاذ مالك بن نبي (31 أكتوبر 1973) دون أن يتردد صداها، ويذَكَّر بصاحبها وبأفكاره، ولعل السبب في ذلك هو أن تاريخ وفاته يتزامن مع ذكرى اندلاع الثورة(1 نوفمبر)، هذه الثورة التي يعتبر مالك بن نبي ممهدا لها بما طرحه من أفكار‮ ‬وما‮ ‬ارتآه‮ ‬من‮ ‬آراء‮.‬

لقد أخذ مالك بن نبي - مذ وعَى- موقفه من الاستعمار عن بيّنة وليس عن عاطفة. ولذلك لم يتوقف عند ظاهرة الاستعمار، بل تجاوزها إلى سبب وجودها، الذي سماه »القابلية للاستعمار«. وأعلن في شجاعة فكرية أن الظاهرة الاستعمارية هي نتيجة لحالة نفسية سماها -كما أسلفت- »القابلية‮ ‬للاستعمار‮« ‬التي‮ ‬جلبت‮ ‬عليه‮ ‬كثيرا‮ ‬من‮ ‬النقد‮ ‬غير‮ ‬الموضوعي‮.‬
لقد‮ ‬بقي‮ ‬مالك‮ ‬بن‮ ‬نبي‮ ‬متمسكا‮ ‬بفكرته‮ ‬إلى‭ ‬آخر‮ ‬أيام‮ ‬حياته،‮ ‬حيث‮ ‬أشار‮ ‬في‮ ‬رسالته‮ »‬دور‮ ‬المسلم‮ ‬ورسالته‮« -‬وهي‮ ‬من‮ ‬آخر‮ ‬إنتاجه‮- ‬إلى‭ ‬‮»‬أننا‮ ‬لم‮ ‬نغير‮ ‬شروط‮ ‬القابلية‮ ‬للاستعمار‮ ‬في‮ ‬أنفسنا‮«.‬
لقد وضع مالك بن نبي نفسه خارج إطار الاستعمار، ولم يستطع هذا الأخير احتواءه، لا بالوعد ولا بالوعيد. ولم يكتف مالك بن نبي بذلك، بل انحاز- وهو المثقف بثقافة الغرب- إلى شعبه بكل ما في هذا الانحياز من أبعاد دينية، ولغوية، ونفسية، واجتماعية، وهذا ما لم يغفره له الاستعمار‮ ‬وأذنابه‮.‬
وقد‮ ‬شكلت‮ ‬تلك‮ ‬الأبعاد‮ ‬عند‮ ‬مالك‮ ‬بن‮ ‬نبي‮ ‬مقياسا‮ ‬يقيس‮ ‬به‮ ‬العاملين‮ ‬في‮ ‬المجال‮ ‬السياسي‮ ‬والفكري،‮ ‬فمن‮ ‬فرّط‮ ‬في‮ ‬بُعد‮ ‬منها‮ ‬فهو‮ ‬مفرط‮ ‬في‮ ‬القضية‮ ‬الوطنية،‮ ‬إن‮ ‬لم‮ ‬يكن‮ ‬خائنا‮ ‬لها‮ ‬بصورة‮ ‬من‮ ‬الصور‮.‬
كان مالك بن نبي يرفض أن تطرح القضية الوطنية طرحا سياسيا فقط، وكان يصر على الطرح الحضاري لها الذي يعتبر الجانب السياسي جزءا منه. ولذلك فهو لا يعتبر من يخاطب شعبه بغير لغته وطنيا، لأن التعبير باللغة الأخرى عن فكرنا يكتسي مظهر الجهل الكامل بالثقافة الوطنية، إن‮ ‬لم‮ ‬يكن‮ ‬خيانة‮ ‬لها‮.‬
لقد وضّح مالك بن نبي الطرح الحضاري للقضية الوطنية عندما أشار إلى مشاركة بعض الأجانب - فرنسيين وغيرهم- في المعركة إلى جانبنا مادامت هذه المعركة في النطاق السياسي، ولكن مواقف أولئك الأجانب تنقلب رأسا على عقب حينما تأخذ المعركة طابعا حضاريا، وتصير صراعا فكريا‮.‬
كان مالك بن نبي - عكس كثير من المثقفين بالثقافة الأجنبية - مقتنعا أن القضية الوطنية - ومرحلة الثورة جزء منها- هي في جوهرها صراع عقيدي، وذلك ما ألحت عليه أدبيات الاستعمار الفرنسي من »وجوب استعادة الجزائر إلى المسيحية (1)« من عهد الملك الفرنسي شارل التاسع في‮ ‬سنة‮ ‬1572‮ ‬إلى‭ ‬عهد‮ ‬رئيس‮ ‬الوزراء‮ ‬الفرنسي‮ ‬جورج‮ ‬بيدو،‮ ‬الذي‮ ‬صرح‮ ‬في‮ ‬بداية‮ ‬الكفاح‮ ‬في‮ ‬المغرب‮ ‬العربي‮ ‬قائلا‮ : »‬إن‮ ‬الصليب‮ ‬سيحطم‮ ‬الهلال‮(‬2‮)«.‬
لاشك في أن معركة هذا هو جوهرها، وتلك هي حقيقتها لابد أن يكون نطاقها الجغرافي ممتدا امتداد الفكرتين الإسلامية والنصرانية، ولهذا كان مالك بن نبي يرى »في كل وطنية - ضيقة- خيانة لقضية أكبر«، رغم تأكيده على وطنيته، حيث يقول »وكنتُ وطنيا دائما«.
إن‮ ‬المتتبع‮ ‬لأفكار‮ ‬الأستاذ‮ ‬ابن‮ ‬نبي‮ ‬عن‮ ‬الثورة‮ ‬الجزائرية‮ ‬يلمس‮ ‬عنده‮ ‬تمييزا‮ ‬بين‮ ‬الشعب‮ ‬الجزائري‮ ‬وبعض‮ ‬قادته‮ ‬من‮ ‬جهة‮ ‬وبين‮ ‬بعض‮ ‬قادته‮ ‬الآخرين‮.‬
فالشعب الجزائري وبعض قادته كانوا »إخوة« »مجاهدين« يخوضون الثورة بوازع ديني صرف، لأن الثورة ليست كإحدى الحروب تدور رحاها مع العَدَد والعُدَد، بل إنها تعتمد على الروح والعقيدة، وأما بعض القادة الآخرين فقد كانوا »ثائرين« »مكافحين« وحاولوا صبغ الثورة بصبغة مغايرة‮ ‬لصبغتها‮.‬
لقد أكد مالك بن نبي أن أزمة الثورة الجزائرية كانت »على مستوى القيادة« التي كانت كلمة »الحقوق« عندها مقدمة على كلمة »الواجبات«، فكانت نتيجة ذلك هي »التفرق والتمزق« وصارت الثورة »لا ثورة«، بل أصبحت أحيانا ضد الثورة. من أجل ذلك، اعتبر مالك بن نبي الثورة التي لا‮ ‬تُكْمِل‮ ‬إنجاز‮ ‬مهماتها،‮ ‬وتخاف‮ ‬إصلاح‮ ‬أخطائها‮ ‬قد‮ »‬انتحرت‮«.‬
إن الثورة عند مالك بن نبي ليست تحقيق العدالة الاجتماية فقط، ولكنها هي العمل على استعادة الشعب شخصيته وكرامته، وهي عملية لن تتأتى إلا عن طريق تصفية الاستعمار في العقول، لأن ذلك هو »الاستقلال الحقيقي الذي يبتر كل علاقات التبعية«.
إن ما كان يأخذه بعض السياسيين على الأستاذ مالك بن نبي قد أصبح حقيقة وصار الجزائريون ـ ومنهم بعض السياسيين ـ يرددون أن أزمة الجزائر الحالية سببها هؤلاء الذين لم يخرج الاستعمار من عقولهم، ولم تتحرر نفسيتهم، الذين نسميهم »حزب فرنسا«، حيث اندس أفراد هذا الحزب في دواليب الإدارة الجزائرية، وحرفوا الثورة، وخانوا مبادئها، وأشاعوا الفساد في الثقافة والاقتصاد، وأذاعوا الفواحش في الشعب الجزائري، وجرّدوا السياسة من حقيقتها النبيلة، وجعلوها »بوليتيك«، طابعها الكذب، والنفاق، والرشوة، والتفريط في المصلحة العامة.
رحم‮ ‬الله‮ ‬مالك‮ ‬بن‮ ‬نبي،‮ ‬وهدي‮ ‬شباب‮ ‬الجزائر‮ ‬إلى‭ ‬الاقتباس‮ ‬من‮ ‬فكره،‮ ‬والسير‮ ‬على‭ ‬نهجه
‮.‬

الهوامش‮:‬

1‬ـ‮ ‬أحمد‮ ‬عزت‮ ‬عبد‮ ‬الكريم‮: ‬دراسات‮ ‬في‮ ‬تاريخ‮ ‬العرب‮ ‬الحديث،‮ ‬دار‮ ‬النهضة‮ ‬العربية‮. ‬ص‮ ‬305
2‮‬ـ‮ ‬Henri‭ ‬Alleg‭: ‬la‭ ‬guerre‭ ‬d‭'‬Algerie‭ ‬T‭.‬1‭.‬p‭. ‬454

إسرائيل تعترف بجرائمها في الجزائر

إسرائيل تعترف بجرائمها في الجزائر
تاريخ المقال 14/11/2007
كشفت تقارير استخباراتية نشرتها دوائر إعلامية إسرائيلية عن عمليات قام بها ر جهاز المخابرات الإسرائيلية موساد مند الخمسينات ضد الجزائر خاصة أثناء حرب التحرير و كذا خلال سنوات التوتر في العلاقات الجزائرية المغربية.

ويشير تقرير نشره مركز هيرداد الكائن بمدينة هرتزيليا - نسبة الى الزعيم الصهيوني تيودور هرتزل الذي ناد في القرن التاسع عشر الى تأسيس دولة ليهود العالم- أن المخابرات الإسرائيلية قامت بتدريب قرابة أربعين من يهود الجزائر و تونس و المغرب بإسرائيل ليشكلوا فرقا شبه عسكرية سرية كلفت بمهام خاصة في الخمسينات لاسيما في الجزائر.
و يظهر التقرير أن الموساد كلف شلومو غابيليو للإشراف على هذه المجموعات بعد موافقة رئيس الكيان الصهيوني آنذاك ديفيد بن غوريون و ذلك بناء على مبادرة قام بها رجل الإعمال المغربي اليهودي الأصل سالومون أزولاي الذي فر بعد ذلك إلى إسرائيل و الذي يصف نفسه عبر كتباته من مؤسسي الدولة اليهودية على أرض فلسطين. و قد قام بالتخطيط لهذا المشروع العسكري خلال السنوات الأولى التي تلت إنشاء الدولة العبرية سنة 1948 مدير المخابرات الإسرائيلية آنذاك عيزر هاريل .
و قد تم تدريب هذه المجموعات في ثكنات الجيش الإسرائيلي بضواحي تل أبيب لمدة أربعة أشهر خضعت خلالها للتقنيات العسكرية لاسيما عمليات الإرهابية بما فيها المتفجرات و الاغتيالات فضلا عن عمليات الخطف و الحماية الشخصية كما يضيف التقرير. و بعدها خضعت لمدة 9 أشهر لتكوين إضافي في احد مراكز الموساد كما تلق عناصر هذه الوحدة تكوينا مكثفا في الديانة اليهودية . و توضح تقارير الموساد أن هذه المجموعات اكتسب قدرة فائقة على الاختراق و التحسس و التجسس فضلا عن الدعاية في الوسط اليهودي و الجزائري.
و عند نهاية التكوين أرسلت مجموعات من هذه الوحدة إلى الجزائر ابتداء من سنة 1955 لتشتهر بالعديد من العمليات ضد المسلمين الجزائريين و حتى اليهود. و من أشهر العمليات التي قامت بها المجموعة - كما تشير اليه تقارير الموساد – الهجوم بالقنابل اليدوية يوم السبت 12 ماي 1956 بقسنطينة و هو اليوم الذي صادف آنذاك عيد الفطر بالنسبة للمسلمين و عيد الشابات "يوم الصيام" بالنسبة ليهود المدينة . ففي حدود الساعة 11.30 من هذا اليوم عيد الفطر قام أحد عناصر هذه الفرقة بإلقاء قنبلة يدوية داخل حانة "مازيا" بشارع سيدي لخضر أدت إلى جرح 13 معمرا بما فيهم يهود و ثلاث من رجال الأمن.
و بعد ذلك وجهت الدعاية اليهودية أصابع الاتهام الى جبهة التحرير وقام عقبها المعمرون اليهود بالانتقام ضد المسلمين ابتداء من ليلة ذالك اليوم و قتلوا العشرات منهم كما أوردت الصحف آنذاك بما فيها "لاديبيش دو كونستونتين".
وعن هذه العملية قال رئيس هذه الفرقة شلومو غابيليون الذي غادر الموساد سنة 1960 بان جبهة التحرير اعتقدت حينها بان القوات الخاصة الفرنسية أو ما يعرف بفيالق الموت السرية كانت وراء هذه العملية مضيفا بان الاعتداءات ضد اليهود توقفت منذ تلك العملية. وحسب مركزهرداد فان مهمة هذه المجموعات كانت تتمثل أيضا في زرع الرعب وسط يهود الجزائر لإجبارهم على المغادرة الى إسرائيل التي كانت بحاجة كما يذكر المركز إلى مستوطنين حيث أشرفت من جهة أخرى هذه المجموعات على تسهيل عمليات رحيل يهود الجزائر إلى فلسطين المحتلة خاصة ما بين سنوات 1956 و 1962.
و تكشف نفس التقارير علن تفاصيل المساعدات التي قدمتها إسرائيل إلى المغرب بعد استقلال الجزائر خاصة أثناء ما عرف بحرب الرمال سنة 1963 عندما حاولت الجيوش المغربية احتلال منطقة تندوف.
و تتطرق الوثائق إلى المساعدات الحربية التي قدمتها الدولة العبرية للمغرب منذ سنة 1958 لاسيما في مجال تدريب الجيش الملكي و تزويده بمعدات عسكرية بما فيها الدبابات أثناء محاولة الاعتداء على الجزائر.
و كان المؤرخ اليهودي يقال بن نون قد كتب بان إسرائيل منحت ما يقارب 500 الف دولار للمغرب لضمان عمليات ترحيل يهود "الملا" المغاربة. و تؤكد أرشيف الموساد بان المغرب طلب من المخابرات الاسرائيلية القيام بعمليات تجسس ضد الجزائر منذ سنة 1975 عندما اندلعت الحرب بين المغرب و جبهة البوليساريو. ولتكريم الموساد على هذه الخدمة قامت الرباط بإرساء علاقة مباشرة مع الكيان الصهيوني سنة 1996.

ــــــــ
كمال منصاري

الاثنين، 12 نوفمبر 2007

العلامة القرضاوي وقضية القدس



موقع القرضاوي/ 12-11-2007

يرى فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي –رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين– أن "القدس" ينبغي أن تكون القضية المحورية لدى المسلمين، قائلًا في أثناء مناسبة إحياء "يوم القدس العالمي على الإنترنت" في رمضان 1426هـ: إن الله تعالى ربط في القرآن الكريم بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى في إشارة تؤكد على أن من يفرط في المسجد الأقصى يمكنه أن يفرط في المسجد الحرام، فالمسجد هو رمز المدينة، والمدينة رمز للقضية؛ فيوم القدس هو في الحقيقة يوم للقضية الفلسطينية، وهي قضية المسلمين جميعا؛ لأن القدس تدبر لها المؤامرات ليلا ونهارا، وما كان يتم سرا أصبح علنا، فالتهويد يتم جهارا نهارا، وربما نجد الأقصى قد سقط فجأة.

وأضاف القرضاوي: إنه من الواجب أن يساند المسلمون إخوانهم الفلسطينيين بكل الوسائل الممكنة، كما يجب أن تظل المقاومة قائمة طالما كان هناك احتلال لأي شبر من أرض المسلمين، ولا بد أن يقوم المسلمون بتحرير الأقصى من أيدي اليهود الذين يُدخلون من يشاءون، ويسمحون بالصلاة لمن يشاءون، وهو واجب على المسلمين في كل بقاع الأرض.

وللقضية الفلسطينية في قلب وعقل العلامة القرضاوي مكانة خاصة، فهو الداعي إلى تأسيس "مؤسسة القدس العالمية" التي تعنى بقضايا المدينة خاصة، والمؤسسة تستعد الآن لتنظم تظاهرة إنسانية عالمية حول القدس في مدينة إستانبول التركية في الفترة من 15 إلى 17 من الشهر الجاري، وقد حرص القائمون على الملتقى على تنظيمه قبل انتهاء الذكرى الـ40 لاحتلال القدس (عام 1967)، وبعد أيام من الذكرى الـ90 لوعد بلفور الذي أسس لمأساة هذه المدينة في 2-11-1917، وقبل أيام من اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يوافق 29 من نوفمبر من كل عام.

ولا يكف العلامة القرضاوي عن الحديث عن القدس والقضية الفلسطينية في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة في كل مناسبة، ومع كل حدث جديد يتعلق بمصيرها ومصير أهلها الذين يواجهون طغيان العدو ليل نهار.

وفي هذا الإطار يبرز ما لشيخنا الجليل من دعوات ومبادرات في شأن هذه القضية التي يعتبرها قضية المسلمين جميعًا، وفي السطور التالية -وتذكيرًا منا ولنا وللأمة الإسلامية بواجبنا نحو هذه القضية الهامة- نسرد عددًا من خطب ولقاءات العلامة القرضاوي، وتغطيات لفعاليات دعا إليها وتبناها في شأن هذه القضية.


خطب ومحاضرات 1.آلام ضياع فلسطين 2.قدسنا عربية إسلامي

3.موقفنا من تهويد القدس 4.الذكرى الخمسون لاغتصاب فلسطين

5.وداع الشـيخ الشـهيد أحمد ياسـين

برامج ولقاءات:

الصراع بين المسلمين واليهود العمليات الاستشهادية في فلسطين

ماذا يجب على الأمة أن تفعل تجاه الفلسطينيين؟

واجب الأمـة تجــاه ما يجري في فلسـطين

أخبار:

ضمن فعاليات ملتقى الإمام.. مشعل يطلق مبادرة لحل الأزمة القرضاوي: تعجيل إخراج الزكاة جائز لنصرة إخوتنا في فلسطين

القرضاوي: القدس قضية المسلمين ومساندة الفلسطينيين واجبة القرضاوي: الصرخات من أجل الأقصى ضرورة لإيقاظ الأمة

القرضـــاوي يقود مسيرة تضامن مع الشعب الفلسطيني

ندوات ومؤتمرات:

القرضاوي يشارك اليوم في مهرجان نصرة الأقصى بالدوحة خطاب القرضاوي في مؤتمر شعبي بالقاهرة لنصرة الشعب الفلسطيني

القرضاوي يتوجه اليوم إلى الجزائر لترؤس مؤتمر القدس القرضاوي يدعو الأمة إلى "الجهاد المدني" في فلسطين

أسبوع للأقصى في مقديشو

الخميس، 8 نوفمبر 2007

النفط الجزائري يلامس عتبة 100 دولار للبرميل

الأسعار تلتهب في الأسواق الدولية وتثير قلق المستهلكين
النفط الجزائري يلامس عتبة 100 دولار للبرميل
اقترب أمس، سعر النفط الجزائري ''صحاري بلند'' كثيرا من سقف 100 دولار للبرميل لأول مرة في تاريخه بعد أن تجاوز مستويات قياسية عديدة. وأثار هذا المستوى غير المسبوق حالة من القلق لدى الخبراء الذين يتخوفون من مضاعفات مستقبلية لأنهم يرون بأن سعر النفط بهذا المستوى سيؤثر حتما على توازن السوق ككل.
سجل سعر النفط الجزائري ''صحاري بلند'' أكثر من 99 دولارا لتسليمات شهر ديسمبر المقبل في الأسواق الآجلة، وهو مستوى لم يبلغه النفط الجزائري في تاريخه. ويستفيد النفط الجزائري على عكس العديد من أنواع النفط الأخرى من عدة مزايا سمحت له بالاستفادة من رسوم إضافية، إذ يعرف النفط الجزائري بافتقاره للزئبق وسهولة تكريره على عكس نفط دول الخليج وهي أكبر الدول المنتجة، مما ساهم في زيادة الطلب عليه، كما هو الشأن بالنسبة لنفط نيجيريا أيضا.
وتتجاوز الرسوم الإضافية المفروضة على ''صحاري بلند'' من 5,2 إلى 3 دولارات في البرميل الواحد مقارنة ببترول بحر الشمال المعروف بـ ''برنت''.
وقد ساهم ارتفاع الطلب على النفط الجزائري بزيادة الرسوم الإضافية بصورة محسوسة خاصة خلال سنة 2007 مما دعّم متوسط سعر النفط الجزائري الذي بلغ خلال الشهور التسعة الماضية بحوالي 69 دولارا للبرميل بعد أن كان يقدّر بـ06, 66 دولار خلال سنة 2006، أي بزيادة متوسطة تساوي لحد الآن 3 دولارات.
وقد قامت الجزائر بالإبقاء على مستوى مرتفع للإنتاج النفطي نظرا لزيادة الطلب، حيث بلغ متوسط الإنتاج النفطي الجزائري ما بين جانفي2007 وسبتمبر 2007 بـ38, 1 مليون برميل يوميا، مع بلوغ الإنتاج سقف 4, 1 مليون برميل خلال شهر واحد. في وقت لا تتجاوز حصة الجزائر في منظمة الدول المصدرة للنفط 800 ألف برميل يوميا أو ما يعادل حوالي 2 بالمائة من إجمالي سقف الإنتاج.
وقد طالبت الجزائر منذ 2000 وأكدت ذلك سنة 2006 بإلغاء نظام الحصص الذي يعيق إنتاج الدول، في وقت عرفت الأسعار فيه ارتفاعا كبيرا، حيث تظل الحصة بعيدة جدا عن قدرات إنتاج الدول.
وقد كسبت الجزائر ودول أخرى مثل فنزويلا الرهان من خلال السماح لها بإنتاج كميات أكبر من حصتها وبتعليق العمل بنظام الحصص.

الجمعة، 26 أكتوبر 2007

إشكالية الوطن و الوطنية والمواطنة .. د.يوسف القرضاوي


د.يوسف القرضاوي - موقع القرضاوي/ 18-10-2007
فكرة الانتماء إلى الإسلام، وإلى أمة الإسلام، وإلى دار الإسلام، التي كانت سائدة في القرون
الماضية منذ عصر النبوة، فعصر الراشدين، فعصور العباسيين والعثمانيين: قد لا تكون مقبولة عند غير المسلمين. على أساس أن أصل هذا الانتماء ديني، ينطلق من القرآن والسنة.
هذا مع أن فقهاء المذاهب المختلفة جميعا، قرَّروا: أن غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، وهم الذين يعبَّر عنهم في الاصطلاح الفقهي بـ(أهل الذمة) يعدُّون من (أهل دار الإسلام). فهم من (أهل الدار) وإن لم يكونوا من (أهل الملَّة).
وفي اجتهادي: أن كلمة (أهل الدار) هذه تمثِّل مفتاحا للمشكلة، مشكلة المواطنة، لأن معنى أنهم (أهل الدار) أنهم ليسوا غرباء ولا أجانب، لأن حقيقة معناها: أنهم أهل الوطن، وهل الوطن إلا الدار أو الديار؟
وإذا ثبت أنهم أهل الوطن، فهم (مواطنون) كغيرهم من شركائهم من المسلمين.
وبهذا تحلُّ هذه الإشكالية من داخل الفقه الإسلامي، دون الحاجة إلى استيراد مفهوم المواطنة من سوق الفكر الغربي.
فإن هذا المفهوم المستورد قد يحلُّ مشكلة الأقليَّات الدينية من مسيحية ويهودية ومجوسية ونحوها، ولكنه ينشئ مشكلة عند المسلم، إذ يفرض عليه الانفصال عن انتمائه الديني، وولائه الديني. وهو أمر يدخل في الفرائض، بل ربما في العقائد.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} [النساء:144]، {لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [التوبة:23]، {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51].
والظنُّ بأن الدين لم يعد أساسا في حياة الناس، بعد أن غزته الأفكار العلمانية والليبرالية والماركسية: ظنٌّ غير صحيح، إلا في القليل من النُّخب. فما زال سلطان الدين قائما لدى الجمهور الأعظم من الناس.
فكيف تحلُّ مشكلة الأقلية، ونخلق في الوقت نفسه مشكلة عند الأكثرية؟
وما يضير غير المسلم أن يكون مواطنا في (دار الإسلام) سواء كانت دار الإسلام الكبرى، التي تشمل كلَّ ديار الإسلام حين تضمُّهم قيادة (خلافة) واحدة، أو (دار الإسلام) المحدودة بحدود إقليم أو قُطر معيَّن.
ربما يكون الإشكال هنا، هو التخوُّف من عدم تطبيق مبدأ المساواة على الجميع، وتمييز المسلم على غير المسلم في مجالات معيَّنة، في حين أن المواطنة تفترض المساواة بين جميع المواطنين.
وهذا التخوُّف وارد، وله ما يبرره، ولهذا يلزمنا فقها: أن نقرِّر فكرة المساواة بين أبناء دار الإسلام على أساس مبدأ: لهم ما لنا، وعليهم ما علينا. ولا تمييز إلا فيما تقتضيه طبيعة الخلاف الديني.
ولا بد من حذف كلمات ومصطلحات تاريخية من قاموس التعامل المعاصر، مثل كلمة (ذمَّة) و(أهل ذمَّة) التي لم يعُد يقبلها غير المسلمين. فلم يتعبَّدنا الله بهذه الكلمات، وقد حذف عمر ما هو أهم منها، حين اقتضت المصلحة العليا ذلك، فحذف كلمة (جزية) حين طلب منه ذلك نصارى بني تغلب، وقالوا: إننا قوم عرب، ونأنف من كلمة (جزية)، ونريد أن نأخذ ما تأخذ منا باسم (الصدقة)
[1]. ورضي منهم ذلك، معتبرا أن العبرة بالمسمَّيات والمضامين، لا بالأسماء والعناوين.
الأخوة الوطنية
بل أقول: إن الاشتراك في الوطن يفرض نوعا من الترابط بين المواطنين بعضهم وبعض، يمكن أن نسمِّيه (الأخوة الوطنية) فكلُّ مواطن أخ لمواطنه، وهذه الأخوة توجب له من حقوق المعاونة والمناصرة والتكافل ما يستلزمه معنى (الأخوة) أي الانتماء إلى أسرة واحدة.
وقد يعترض بعض الإسلاميين من الحرفيين والمتشدِّدين على اطلاق الأخوة خارج الإطار الديني. فليس عندهم أخوة إلا أخوة الإيمان، أي الأخوة الدينية، ولا اعتراف بأيِّ أخوة سواها.
ودليلهم على ذلك قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10]، وقوله عن المؤمنين: {فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:103].
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم"
[2].
ونحن نؤمن بأصالة الأخوة الدينية القائمة على الإيمان، ونرى أنها أعمق أنواع الأخوَّات. كما عرَفنا ذلك في سيرة الصحابة والمسلمين الأُوَل، وكيف فاقت هذه الأخوة أخوة النسب والدم في وقائع شتَّى.
ونرى هذه الأخوة تذيب كلَّ الفوارق بين الناس، من عنصرية ولونية وإقليمية ولغوية وطبقية، وتُعلي عنصر الدين على كلِّ هذه الأشياء، فترى المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، يألم سائر الجسد إذا اشتكى عضو منه
[3]. وترى المؤمن الأبيض في أوربا يشعر بأخوة عميقة بينه وبين المؤمن الأسود في إفريقيا، فقد ربط بينهما الإيمان الواحد.
ومع اعترافنا بذلك نؤكِّد: أن هذه الأخوة على عمقها، لا تمنع من وجود أنواع أُخَر من الأخوَّات. مثل الأخوة الوطنية أو القومية، ومثل الأخوة الإنسانية.
وقد ناقشني أحد المتشدِّدين يوما، معترضا على قولي: (إخواننا الأقباط). بأن الأخوة إنما تكون بين المسلمين بعضهم وبعض، والأقباط نصارى، فكيف يكونون إخواننا؟
قلتُ له: إن الأقباط إخواننا في الوطن، وإن لم يكونوا إخواننا في الدين، يجمعنا وإياهم وطن واحد.
قال: وهل هناك أخوة غير أخوة الدين؟
قلتُ: نعم، هناك الأخوة الوطنية، والأخوة القومية، والأخوة المهنية، والأخوة الإنسانية ... إلخ.
قال: وما الدليل الشرعي على ذلك؟
قلتُ: الدليل على هذه الأخوَّات: وجودها في عالم الناس وواقعهم. وإن كان ولا بد من دليل من نصوص الشرع، فها أنا أسوقه إليك من القرآن الكريم.
اقرأ معي قول الله تعالى في سورة الشعراء: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء:106].
{كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ ...} [الشعراء:124،123].
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء:142،141].
{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء:161،160].
فكلُّ هؤلاء الأقوام كذَّبوا رسلهم وكفروا بهم، ومع هذا عبَّر القرآن عن علاقة رسولهم بهم بأنه علاقة (الأخوة) {قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ}. وذلك لأن هؤلاء الرسل كانوا منهم، ولم يكونوا أجانب عنهم، فتربطهم أخوَّة قومية.
وفي هذه السورة نفسها عرضت قصة شعيب مع أصحاب الأيكة فقال تعالى: {كَذَّبَ أَصْحَابُ لْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء:177،176]. ولم يقُل كما قال في الرسل السابقين: إذ قال لهم أخوهم شعيب، لماذا؟ لأن شعيبا لم يكن من أصحاب الأيكة، بل كان غريبا عنهم، وإنما كان من مَديَن، فهم قومه وليسوا أصحاب الأيكة، ولهذا قال في سورة الأعراف وفي سورة هود وفي سورة العنكبوت: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً} [الأعراف:85، هود:84، العنكبوت:36].
فهذا يدلُّنا على أن الأخوة ليست دائما دينية، بل قد تكون وطنية أو قومية، أو غيرها.
وهنا لم يجد المعترض بُدًّا من التسليم، وهل يعارض مسلم دلالة القرآن الكريم؟
وإذا ثبتت الأخوة، فقد ثبت ما تقتضيه وتستلزمه من المحبَّة والمساواة والتضامن، إذ لا معنى للأخوة بغير هذا.
متى تحدث الإشكالية في قضية الوطنية والمواطنة:
ما ذكرناه إذن حول قضية الوطن والوطنية والمواطنة: مُسلَّم به في الجملة على الأقل، ولا ينبغي أن يختلف فيه إسلامي وغير إسلامي.
فمتى تحدث الإشكالية بين الطرفين، بحيث يبدوان وكأنهما خصمان؟ ولماذا تحدث هذه الإشكالية؟
إنها تحدث لعدَّة أسباب يمكن التغلُّب عليها كلِّها بيسر، إذا صفت النيَّات، وصحَّت العزائم.
1- عند تعارض الولاءات والانتماءات:
فالإنسان في واقع الأمر ليس له انتماء واحد، فقد تتعدَّد انتماءات الإنسان باعتبارات شتَّى، ولا نجد أيَّ تناقض بينهما.
فالإنسان ينتمي إلى أسرته، وينتمي إلى قريته، وينتمي إلى محافظته، وينتمي إلى قُطره أو وطنه، وينتمي إلى إقليمه، وينتمي إلى قارَّته، وينتمي إلى دينه، وينتمي إلى أمَّته (الكبرى المؤسَّسة على الدين)، وينتمي إلى الأسرة الإنسانية.
ولا حرج في ذلك ولا ضير، فهذه الانتماءات غير متعارضة ولا متناقضة، بل هي تعبِّر عن حقائق قائمة بالفعل، والعلاقة فيما بينها علاقة الخاص بالعام، والأخصِّ بالأعمِّ، وما بينهما.
إنما تحدث الإشكالية حين يتعارض الانتماء إلى الوطن والولاء له، مع انتماءات وولاءات أخرى يلتزم بها الإنسان.
وذلك مثل: الانتماء إلى الدين والولاء له.
ومثل: الانتماء إلى القوم والولاء لهم.
ومثل: الانتماء إلى البشرية والولاء لها.
فأيُّ هذه الولاءات والانتماءات أولى بالتقديم على غيرها؟ أعني: إذا تعارض الولاء للوطن والولاء للدين، فأيُّهما يقدم، وبأيِّهما نضحِّي؟
الذي يظهر في هذه الحالة: أنه في حالة التعارض بين الدين والوطن، فإن الدين هو المقدَّم، لأن الوطن له بديل، والدين لا بديل له.
ولهذا رأينا الرسول الكريم وأصحابه حين تعارض الدين والوطن: هاجروا في سبيل الله وضحُّوا بالوطن الذي ضاق بعقيدتهم، وصادر دعوتهم، وفتنهم في دينهم. كما قال تعالى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج:40].
وقال سبحانه: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر:8].
وقال عزَّ وجلَّ: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ} [الحج:59].
وقد بيَّن القرآن الكريم في مفاصلة واضحة وحاسمة: أن دين المسلم أعزُّ عليه، وأحبُّ إليه من كلِّ شيء سواه، مما يعتزُّ به الناس ويحرصون عليه، وذلك في قوله تعالى في سورة التوبة: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:24].
وبهذا يتبيَّن بما لا شك فيه: أن دين المسلم المعبَّر عنه بحبِّ الله ورسوله: يجب أن ترجح كفَّته على كلِّ الروابط والقِيَم الأخرى، بما في ذلك الآباء والأبناء، والإخوة، والأزواج، والعشيرة، والأموال، والتجارة، والمساكن التي يرضونها. وهذه العبارة تعبِّر عن الأوطان التي رضوها وارتبطوا بها ماديًّا وعاطفيًّا.

2- اقتران الوطنية بالعلمانية
وتحدث المشكلة لدى بعض الإسلاميين، فتراهم يعارضون أو يتحفَّظون على فكرة (الوطنية) انطلاقا من أن (الوطنية) مسكونة بـ(العِلْمانية) التي تفصل الدين عن الدولة، بل عن الحياة. على خلاف ما هو معروف عن شمولية الإسلام، الذي عرَفه الناس من مصادره الأصيلة: عقيدة وشريعة، عبادة ومعاملة، دعوة ودولة، دينا ودنيا. وعرَفوا: أن الدين هو إحدى الضروريات أو الكليَّات الخمس التي جاءت بها الشريعة، التي شرعها الله لتحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد.
ونقول هنا: إن الوطنية في ذاتها لا تحمل أيَّ مضمون أيديولجي، لا مضمون (ديني) ولا (لاديني) (علماني)، بل هي محايدة، وقابلة لأن تحمل ما تحمَّل، من حقٍّ أو باطل.
وليست كلُّ النزعات الوطنية التي رأيناها علمانية، بل رأينا نزعات وطنية مُشبعة بالروح الإسلامية، مثل: (وطنية مصطفى كامل) الذي كان متعاطفا مع دولة الخلافة الإسلامية، ومثل حركات التحرُّر الوطني في كثير من الأقطار الإسلامية، فقد كانت هذه الحركات التي قامت لمحاربة الاستعمار، وطرده من بلادها، والحصول على السيادة والحرية: ذات جذور إسلامية، وحوافز إسلامية، كما في الجزائر وبلاد الشمال الإفريقي العربي، وكثير من البلاد في آسيا وإفريقيا، وهو ما اعترف به المؤرخ الأمريكي المعروف (برنارد لويس) في كتابه (الغرب والشرق الأوسط) بأن حركات التحرير في البلاد الإسلامية المختلفة، كان يقودها ويوجِّهها الزعماء الدينيون في شتَّى البلدان.
ومثل ذلك: النزعات القومية، فليست القومية في ذاتها علمانية، ولكن دعاة القومية في بعض الأوقات كانوا علمانيين، ليبراليين أو ماركسيين، فظنَّ مَن ظنَّ: أن القومية لا بد أن تكون علمانية.
وليس من الضروري أبدا أن تكون الوطنية أو القومية علمانية.

3- الغلو في الوطنية حتى تصبح بديلا عن الدين
وتحدث المشكلة أيضا حين يغلو بعض الوطنيين في فكرة الوطنية، أو عاطفة الوطنية، حيث نرى بعضهم يجعلون الوطن مقابل (الدين) أو بديلا عن الدين، وإن شئتَ قلتَ: مقابل (الله) أو بديلا عن (الله)، فكما تبدأ الأمور (باسم الله) تبدأ باسم الوطن، وكما يُقسم الناس بالله، يُقسمون بالوطن، وكما يعمل الناس لوجه الله، يعملون لوجه الوطن!!
وكأن الوطن أصبح إلها، أو وثنا يشركونه مع الله عزَّ وجلَّ. مع أن المسلم قد جعل محياه ومماته كما جعل صلاته ونسكه لله، كما قال تعالى لرسوله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} [الأنعام:163،162].
والحسُّ الديني عند المسلم يرفض أن يقرن باسم الله اسما آخر، أو يُقسم بأحد أو بشيء مع الله، أو يعمل عملا لوجه غير وجه الله، ناهيك أن يفرده.
ولقد رأينا النزعة الوطنية، حين تمزَّقت مظلَّة الخلافة الإسلامية، وانفرط عقد الأمة الواحدة، والدولة الواحدة، لتصبح أُمما أو أُميمات، أو دُولا أو دُويلات! تحاول كلُّ دولة أن تعزِّز وجودها (الوطني) الجديد، بفلسفة جديدة، ومفاهيم جديدة، يراد بها أن تبدِّل الولاء لله ولرسوله وللأمة المسلمة الكبرى، لتجعل بدله الولاء للوطن الصغير، الذي يُنبئ عنه عَلَم خاص، واسم خاص، وحدود خاصَّة، وتُنشد له الأشعار، وتُنشأ له الأناشيد، لتتعلَّق القلوب به، وتتَّجه المشاعر إليه.
وأذكر أننا حين كنا تلاميذ بالمدارس ألأولية، كانوا يحفِّظوننا نشيدا وطنيا حماسيا، لا أدري مَن أنشأه، وهو يقول:
بلادي، بلادي، فــداك دمي وهبت حياتي فدا، فاسلمي
غرامــك أول ما في الفؤاد ونجواك آخر مـا في فمي
وقد سمعتُ شيخنا الشيخ محمد الغزالي يعلِّق على هذا النشيد، وهذا البيت منه فيقول رحمه الله: فماذا بقي من فؤاد هذا القائل ومن فمه لله خالقه؟
(الوطنية) مشروعة ومطلوبة إذا لم تتَّجه هذا الاتجاه الغالي، فإن الغلو في كلِّ شيء يفسده، وقد رأينا الإسلام يحذِّر أشدَّ التحذير من الغلو في الدين. وكذلك الغلو في الوطن والوطنية.
ومما يذكر هنا أن أمير الشعراء أحمد شوقي برغم نزعته الإسلامية الواضحة، وبرغم قصيدته في نعي الخلافة الإسلامية حين أُلغيت، وهي من روائع الشعر، الذي أُوصي الشباب بحفظه
[4]، أراه أحيانا يبالغ في الوطنية، مثل قوله:
وطني لو شغلتُ بالخلد عنه نازعتني إليه بالخلد نفسي!
وأشد منه قوله يخاطب أبنا مصر:
وَجهُ الكِنانَةِ لَيسَ يُغضِبُ رَبَّكُم أَن تَجعَلوهُ كَوَجهِهِ مَعبودا
وَلُّوا إِلَيهِ في النهار وُجوهَكُم وَإِذا فَرَغتُمُ وَاِعبُدوهُ هُجودا
بل رأينا بعض الغلاة من العرب يقدِّم الوطن على الدين بصراحة، ويجعل كلمة الوطن هي العليا، وليست كلمة الله، ولا يبالي بما يؤمن به الناس من العقائد الدينية، ولا ما يحسُّون به من المشاعر الدينية. يقول
بلادك قدِّمها على كـلِّ ملَّـة ومن أجلها أفطر، ومن أجلها صم!
هبوني دينا يمنح العرب وحدة وسيروا بجثماني على دين برهم!
سـلام على كفـر يوحِّد بيننا وأهـلا وسـهلا بعـده بجهنـم
[5]!
4- عندما تتحوَّل الوطنية إلى عصبية جاهلية
وتحدث المشكلة كذلك عندما تتحوَّل النزعة الوطنية إلى عصبية جاهلية، يتجمَّع فيها أهل الوطن ضدَّ غيرهم، وينحازون فيها بعضهم لبعض، ينصر أخاه في الوطن ظالما أو مظلوما، ويستجيب له إذا دعاه في الحقِّ أو الباطل. على نحو ما قيل في وصف أحد زعماء قبائل العرب: إذا غضب، غضب له مائة ألف سيف، لا يسألونه فيم غضب؟!
وكما وصف أحد الشعراء أبناء قبيلته بقوله:
لا يسألون أخاهم حين يندُبهم في النائبات على ما قال برهانا
فالمصيبة: أن تعين أهلك وقومك على ظلم الآخرين، وأن تشهد لهم على الآخرين محقِّين كانوا أم مبطلين، وأن تقول ما قال أتباع المتنبئين الكذبة من قبائل العرب أيام حروب الردَّة: كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مُضَر.
هكذا تكون العصبية القومية، وكذلك تكون العصبية الوطنية، كما رأينا ذلك في النزعات النازية والفاشية في أوربا في أواسط القرن العشرين، من رفع شعارات: ألمانيا فوق الجميع، وإيطاليا فوق الجميع.
والإسلام يعلِّم المسلم: أن يدور مع الحقِّ حيث دار، وأن يقول الحقَّ وإن كان مرًّا، وأن يكون قوَّاما بالقسط شهيدا لله، ولو على نفسه أو الوالدين والأقربين، وكذلك لا يجرمه شنآن قوم على أن لا يعدل، بل يجب أن يقوم بالقسط مع مَن يحبُّ، ومع مَن يكره. فعدل الله لجميع عباد الله.
ومن هنا أنكر الإسلام العصبية بكلِّ أنواعها، سواء كانت عصبية قبلية، أم عصبية قومية، أم عصبية إقليمية، أم أي عصبية كانت.
روى الإمام مسلم في صحيحه: عن أبي هريرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَن قاتل تحت راية عُمية، يغضب لعَصَبَة، أو يدعو إلى عَصَبَة، أو ينصر عَصَبَة، فقُتِل، فقِتلَته جاهلية"
[6].
[1]- روى عبد الرزاق في أهل الكتاب (6/99)، عن زياد بن حُدير - وكان زياد يومئذ حيًّا - أن عمر بعثه مصدِّقا، فأمره: أن يأخذ من نصارى بني تغلب العشر، ومن نصارى العرب نصف العشر. وروى البيهقي في الكبرى كتاب السير (9/216)، عن عبادة بن النعمان التغلبي، أنه قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين، إن بني تغلب مَن قد علمتَ شوكتهم وإنهم بإزاء العدو، فإن ظاهروا عليك العدو اشتدَّت مؤنتهم، فإن رأيت أن تعطيهم شيئا. قال: فافعل. قال: فصالحهم على أن لا يغمسوا أحدا من أولادهم في النصرانية، وتضاعف عليهم الصدقة. قال: وكان عبادة يقول: قد فعلوا ولا عهد لهم. وانظر: أحاديث الباب في البيهقي، باب نصارى العرب تضعف عليهم الصدقة.
[2]- سبق تخريجه.
[3]- إشارة إلى حديث النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". متفق عليه: رواه البخاري في الأدب (6011)، ومسلم في البر والصلة والآداب (2586)، وأحمد في المسند (18373).
[4]- ومطلعها:
عادت أغاني العرس رجع نُواح ونعيتِ بين معالم الأفراح
كفنتِ في يوم الزفاف بثوبــه ودُفنتِ عند تبلُّج الإصباح
[5]- الأبيات للشاعر اللبناني رشيد سليم الخوري.
[6]- رواه مسلم في الإمارة (1848)، وأحمد في المسند (7944)، والنسائي في تحريم الدم (4114)، وابن ماجه في الفتن (3948)، عن أبي هريرة.

الأحد، 30 سبتمبر 2007

دعوة للاعتراف العلني بمسؤولية فرنسا عن مخلّفات الاستعمار


في مساهمة للمؤرخين جيلبير مينيي وإيريك سفاريس
دعوة للاعتراف العلني بمسؤولية فرنسا عن مخلّفات الاستعمار

لا يزال الموقف الفرنسي الرافض للاعتذار عن جرائم الاستعمار يثير عدة ردود أفعال من كلا الطرفين· وتدخل مساهمة المؤرخين جيلبير مينيي وإيريك سفاريس ''الجزائر- فرنسا: التاريخ والرهانات السياسية'' ضمن المبادرات المناهضة للأطروحات الرسمية والداعية إلى ضرورة ''تبني المؤرخين لتصريح علني موحد يساند مبدأ اعتراف السلطات العمومية الفرنسية بمسؤوليتها في مآسي الاستعمار''·
يفضل صاحبا المساهمة أن يكون ''الاعتراف تصريحا علنيا''، دون صياغته في شكل قانون وتفادي إضفاء ''مسؤولية جنائية'' على هذه المبادرة· ويندرج هذا الاقتراح ضمن نفس الجبهة المناوئة للخطاب الرسمي للرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، بعد مبادرة جمع الإمضاءات ضد قانون 23 فيفري حول الدور الإيجابي للاستعمار الفرنسي· معتبرين أن ''مفاهيم السلبي والإيجابي لا تدخل ضمن إشكاليات الأستاذ والمؤرخ''·
وسعيا منهم لإعطاء دفع للنقاش الدائر حول الماضي الاستعماري الفرنسي، اقترحا أن يشمل الاعتراف ''مئات الآلاف من الجزائريين الذين تعرضوا للإبادة خلال الاحتلال 1830 - 1857 لغاية حرب 1954 - 1962، مرورا بالقمع الدموي لانتفاضات (1864، 1917/ 1916، 1945)، والتشريد الجماعي للجزائريين بعد سلب أراضيهم، بالإضافة إلى حرمانهم من المواطنة الفرنسية ووقوعهم تحت طائلة قانون الأهالي، وانتشار التخلف؛ بحيث تبيّن الإحصاءات الرسمية الفرنسية أن نسبة التلاميذ الجزائريين المتمدرسين خلال سنة 1954 لا يفوق 6,14 بالمائة''· على صعيد آخر، دعا المفكران إلى عدم استثناء '' شريحة الأوروبيين ويهود الجزائر المقصاة من طرف النظام الاستعماري، ولقد دافع بعضهم بشجاعة عن الجزائريين المضطهدين''·
ولإزالة كل لبس عن هذا المقترح، اعتبرا أن ''آلام هذه الشريحة لا تضاهي حجم معاناة وآلام الجزائريين· لكن كل ألم يستحق الاعتراف والدراسة''·
في السياق ذاته، انتقد مينيي وسفاريس مفهوم ''التوبة'' لما يحمله في طياته من شحنة دينية كاثوليكية، وأرجعا تعاطي الرئيسين الجزائري والفرنسي مع المفهوم لتداعياته الإعلامية وتقويضه للنقاش، لتفادي الخوض في الحاضر والتركيز على الماضي· واستدلا بتصريحات الرئيس الفرنسي في 26 جويلية الماضي بداكار السينغالية كمثال عن التنصل من المسؤولية، بإثارة الضغائن والنزاعات القديمة ومحاولة الاحتماء بالأيديولوجية لتحييد السياسة، وفي نفس السياق عرقلة العمل التاريخي الذي بدأ يأتي ثماره، بدليل أن ''البحث بدأ يغادر ضفاف الضغينة وذاكرة الضحية··· لأن واجب الذاكرة سيفسح المجال لا محالة للعمل على الذاكرة، حسب بول ريكور''· ويرى المؤرخان أن خلاص فرنسا يلزمها بالمبادرة بالاعتراف بمسؤولية الاستعمار في معاناة واضطهاد الشعوب المستعمَرة ''لأن الجزائر هي من تعرضت للاحتلال الفرنسي وليس العكس''·
في المقابل حثوا الطرف الجزائري على إعادة النظر في''التاريخ والتصريحات الرسمية، بالابتعاد عن لغة الخشب المستعملة في كتب التاريخ ''· وتساءلوا عن الغاية من وراء حصر الجزائريين في موقع الضحية، رغم أن التاريخ أظهر أنهم كانوا فاعلين وقادرين على تحديد مصيرهم بأيديهم، كما يبينه تاريخ الحركة الوطنية وكفاحهم ضد المستعمر الفرنسي الذي لا يحتاج إلى تصريحات ''فارغة'' لإضفاء الشرعية الأيديولوجية على حكم السلطة القائمة·
وفي الأخير ثمن أصحاب المبادرة عمل الباحثين في ميدان التاريخ من الضفتين، وتمنوا لو يتوصل إلى تشكيل فرق عمل بين مؤرخي البلدين لإنجاز كتاب تاريخ مشترك بعنوان: ''تاريخ بلا حدود''·


الخميس، 27 سبتمبر 2007

رسالة رئيس الجمهورية إلى فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي


إلى فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله و رعاه،

السلام عليكم ورحمة الله تعالى و بركاته، و بعد،

تفضلت برسالتكم الغراء شاكرا مـمتنا لــما فيها من عواطف الصدق والإخاء، تـجاه شعبكم في الـجـزائر، على إثر ما ارتكبته الفئة الضالة من جرم وإثم في حق الأبرياء، و لــما حوته من كنوز القول، و درر النصيحة بـما أنزل الــحق، وبـما هدى به الأقوام سيد الأنام عليه الصلاة و السلام، إلى سبل الرشد والــمحبة، و التعايش و السلام.

لقد استزدت انتصاحًا برأيكم السديد، و زدت ثباتا على مبدأ الــمصالــحة والــمآخاة بين الناس، و الدفع بالــحسنى، و إشاعة السلــم، والاجتهاد في طريق العدل والــمساواة، و العمل على إرساء أسس نهضة اقتصادية تـحرر الأمة من بؤس الفاقة، و ربقة الدائنين، فتزكى أعمالها، وتنهض على نهج قيــم خال من الشطط، و التطرف و الغلو، محصن ضد التيارات الهدامة، و مظاهر الاستلاب و التفسخ.

ذلك دأبنا فضيلة الشيخ، و الأخ الكريــم، بعد أن أمننا الشعب على أرواحه وأرزاقه و معتقده، و أيدنا في مسيرة الوئام و الــمصالـحة الوطنية كضامن لــحقن الدماء، و نبذ الفرقة و الشنآن، و جمع الناس على كلــمة سواء .

ولن نستنكف بإذن الله تعالى عن سبيل الــمصالــحة، مهما عتت نفوس البعض، و تـحجرت، ومهما صُمّت آذانهم عن سماع قول الــحق و اليقين، لاعتقادي الراسخ أن هؤلاء الــمتطرفين والــمغالين من تكفيريين و مجرمين، ومن يــمولهم، و يؤول لهم، ويشرع بغير ما أنزل الله و بغير ما سنّ الرسول، وبغير ما أتفق عليه العلــماء الثقاة، هم على ضلال يخسؤون و يكون مآلهم الـخسر والهزيــمة.

لقد أجابت رسالتكم عن هؤلاء، وأفحمت دعاواهم، وعرتهم من عللهم وأسبابهم و أهدافهم، فذكرتم من الآيات و الأحاديث و الأمثلة، ما يقوض بنيانهم القائم علـى الضلال، كأنه عهن منفوش، و ما يبطل هرطقاتهم، ويبعد انحرافاتهم.

وتلك لعمري من أنبل و أعظم مهام العلــماء و الفقهاء الوعاض في هذا الوقت الذي أنبري فيه رهط من غلاة القوم باسم الدين، من أصحاب »الفريضة الغائبة « على حدّ زعمهم ففتنوا شبابا على غير وعيهم، و ألبوهم على شعوبهم بفتـاوى كاذبة وآراء " خارجية " لا قبــــل لدييـــنا الــحنيف بها، ولا لشريعتنا السمحة الغراء.

فغدوا و بالاً و نقمة و عارا على ديننا و أمتنا، ففسحوا بذلك للــمتربصين بديننا الــمجال و هيئوا لهم الذرائع لوسم أمة الإسلام بالإرهاب وجريرة التخلف والعنف.

و إن لكم فضيلة الشيخ باعا و تاريخا في رأب الصدع بين الـمسلمين، وفي درء الأخطار و الـمكاره عنهم من منطلق غيرتكم وحرصكم على حرمة دماء أبنــاء أمة لا إله إلا الله، التي ما فتئتم تدافعون عن امتدادها عن حرمة أموال الــمسلــمين و دمائهم و أعراضهم في كافة أصقاع الــمعمورة بقوة حجة و اقتدار في بذلكم لعظيم الــجهد في مواجهة تيارات من الأفكار الشاذة التي يبتدعها هؤلاء و هؤلاء حتى يشوّهوا تعاليم ديننا السمحة، التي ظلت طوال التاريـخ تتسم بالوسطية و الاعتدال، و يضلّلوا شبابا من أمتنا الإسلامية و يروّعــوا الأبرياء من الــمسلــمــين و غير الــمسلــمـــين بادعـــاء ما يسمونه جهادا، و الــجهاد منهم براء.

فضيلة الشيخ و الأخ الكريم،

أما و قد شفاكم الله ومنّ عليكم بالصحــة و العافية و الهناء، فما ذلك إلاّ من فضل الله و رعايته، فأنتم جديرون بكل محبة و تقدير و رعاية وإكبار، فلكم في قلوب الـجزائريين و الـجزائريات مكانة الصدارة بـما منّ الله به عليكم من خلق حميد و علــم غزير وورع و تقوى، و بـما تـحليتم به طول الــحياة من وفاء لـخدمة رسالة الإسلام، بالوعظ و الإرشاد، وبالإفتاء والاجتهاد، و بالتأليف و نصح العباد.

أغتنم أفضال هذا الشهر الــمبارك شهر الرحمة و الــمغفرة و العتق من النار، مبتهلا إلى الله أن يديــم عليكم و علينا نعمه، و يهدينا سواء السبيل ويؤمن لأمتنا أسباب الرقي و الازدهار، و الــمحبة والسـلام.

و تفضلوا سماحة الشيخ و الأخ الكريــم، بقبول دائم الــمودة و التقدير و الاحترام.

أخوكم
عبد العزيز بوتفليقة


حرر بالـجزائر في يوم 03 رمضان 1428 هـ الـموافق 15 سبتـمبر 2007م