لقد نجح بعض الفتيان في قلب شجرة التعاليم الإسلامية فجعلوا الفروع الخفيفة جذوعها أو جذورا، وجعلوا الأصول المهمة أوراقا تتساقط مع الرياح!. وشرف الإسلام أنه يبني النفس على قاعدة «قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها» وأنه يربط الاستخلاف في الأرض بمبدأ «الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ****وأنا أتوجه إلى أمراء الجماعات الدينية الأكارم، والى الأوصياء الكبار على تراث السلف أن يراجعوا أنفسهم كي يهتموا بأمرين: أولهما: زيادة التدبر لآيات القرآن الكريم. وآخرهما: توثيق الروابط بين الأحاديث الشريفة ودلالات القرآن القريبة والبعيدة، فلن تقوم دراسة إسلامية مكتملة ومجدية إلا بالأمرين معا..

بصوت 17 قارئ

الخميس، 27 سبتمبر 2007

رسالة رئيس الجمهورية إلى فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي


إلى فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله و رعاه،

السلام عليكم ورحمة الله تعالى و بركاته، و بعد،

تفضلت برسالتكم الغراء شاكرا مـمتنا لــما فيها من عواطف الصدق والإخاء، تـجاه شعبكم في الـجـزائر، على إثر ما ارتكبته الفئة الضالة من جرم وإثم في حق الأبرياء، و لــما حوته من كنوز القول، و درر النصيحة بـما أنزل الــحق، وبـما هدى به الأقوام سيد الأنام عليه الصلاة و السلام، إلى سبل الرشد والــمحبة، و التعايش و السلام.

لقد استزدت انتصاحًا برأيكم السديد، و زدت ثباتا على مبدأ الــمصالــحة والــمآخاة بين الناس، و الدفع بالــحسنى، و إشاعة السلــم، والاجتهاد في طريق العدل والــمساواة، و العمل على إرساء أسس نهضة اقتصادية تـحرر الأمة من بؤس الفاقة، و ربقة الدائنين، فتزكى أعمالها، وتنهض على نهج قيــم خال من الشطط، و التطرف و الغلو، محصن ضد التيارات الهدامة، و مظاهر الاستلاب و التفسخ.

ذلك دأبنا فضيلة الشيخ، و الأخ الكريــم، بعد أن أمننا الشعب على أرواحه وأرزاقه و معتقده، و أيدنا في مسيرة الوئام و الــمصالـحة الوطنية كضامن لــحقن الدماء، و نبذ الفرقة و الشنآن، و جمع الناس على كلــمة سواء .

ولن نستنكف بإذن الله تعالى عن سبيل الــمصالــحة، مهما عتت نفوس البعض، و تـحجرت، ومهما صُمّت آذانهم عن سماع قول الــحق و اليقين، لاعتقادي الراسخ أن هؤلاء الــمتطرفين والــمغالين من تكفيريين و مجرمين، ومن يــمولهم، و يؤول لهم، ويشرع بغير ما أنزل الله و بغير ما سنّ الرسول، وبغير ما أتفق عليه العلــماء الثقاة، هم على ضلال يخسؤون و يكون مآلهم الـخسر والهزيــمة.

لقد أجابت رسالتكم عن هؤلاء، وأفحمت دعاواهم، وعرتهم من عللهم وأسبابهم و أهدافهم، فذكرتم من الآيات و الأحاديث و الأمثلة، ما يقوض بنيانهم القائم علـى الضلال، كأنه عهن منفوش، و ما يبطل هرطقاتهم، ويبعد انحرافاتهم.

وتلك لعمري من أنبل و أعظم مهام العلــماء و الفقهاء الوعاض في هذا الوقت الذي أنبري فيه رهط من غلاة القوم باسم الدين، من أصحاب »الفريضة الغائبة « على حدّ زعمهم ففتنوا شبابا على غير وعيهم، و ألبوهم على شعوبهم بفتـاوى كاذبة وآراء " خارجية " لا قبــــل لدييـــنا الــحنيف بها، ولا لشريعتنا السمحة الغراء.

فغدوا و بالاً و نقمة و عارا على ديننا و أمتنا، ففسحوا بذلك للــمتربصين بديننا الــمجال و هيئوا لهم الذرائع لوسم أمة الإسلام بالإرهاب وجريرة التخلف والعنف.

و إن لكم فضيلة الشيخ باعا و تاريخا في رأب الصدع بين الـمسلمين، وفي درء الأخطار و الـمكاره عنهم من منطلق غيرتكم وحرصكم على حرمة دماء أبنــاء أمة لا إله إلا الله، التي ما فتئتم تدافعون عن امتدادها عن حرمة أموال الــمسلــمين و دمائهم و أعراضهم في كافة أصقاع الــمعمورة بقوة حجة و اقتدار في بذلكم لعظيم الــجهد في مواجهة تيارات من الأفكار الشاذة التي يبتدعها هؤلاء و هؤلاء حتى يشوّهوا تعاليم ديننا السمحة، التي ظلت طوال التاريـخ تتسم بالوسطية و الاعتدال، و يضلّلوا شبابا من أمتنا الإسلامية و يروّعــوا الأبرياء من الــمسلــمــين و غير الــمسلــمـــين بادعـــاء ما يسمونه جهادا، و الــجهاد منهم براء.

فضيلة الشيخ و الأخ الكريم،

أما و قد شفاكم الله ومنّ عليكم بالصحــة و العافية و الهناء، فما ذلك إلاّ من فضل الله و رعايته، فأنتم جديرون بكل محبة و تقدير و رعاية وإكبار، فلكم في قلوب الـجزائريين و الـجزائريات مكانة الصدارة بـما منّ الله به عليكم من خلق حميد و علــم غزير وورع و تقوى، و بـما تـحليتم به طول الــحياة من وفاء لـخدمة رسالة الإسلام، بالوعظ و الإرشاد، وبالإفتاء والاجتهاد، و بالتأليف و نصح العباد.

أغتنم أفضال هذا الشهر الــمبارك شهر الرحمة و الــمغفرة و العتق من النار، مبتهلا إلى الله أن يديــم عليكم و علينا نعمه، و يهدينا سواء السبيل ويؤمن لأمتنا أسباب الرقي و الازدهار، و الــمحبة والسـلام.

و تفضلوا سماحة الشيخ و الأخ الكريــم، بقبول دائم الــمودة و التقدير و الاحترام.

أخوكم
عبد العزيز بوتفليقة


حرر بالـجزائر في يوم 03 رمضان 1428 هـ الـموافق 15 سبتـمبر 2007م

ليست هناك تعليقات: